شرع الأذان في السنة الهجرية لم يُكن مشروعًا قبل الهجرة، حيث يعتبر الأذان من الشعائر الإسلامية التي فُرضت بفرض الصلاة والتي يؤجر عليها القائم عليها، وهُناك صيغة مُحددة وموحدة للأذان والتي يُمكن معرفتها من خلال أحاديث الرسول، ويُعتبر الأذان من الأمور الضرورية التي تُنبهنا إلى موعد دخول الصلاة، ويتساءل الكثير عن الوقت الذي شُرع فيه الأذان لذا كان لا بُد من التطرق إليه خلال موضوعنا.
شرع الأذان في السنة
يُعتبر الأذان من العبادات التي تم تشريعها في المدينة المنورة، حيث لم تكن موجودة في مكة المُكرمة فقد دل على ذلك قول عبد الله بن عُمر -رضي الله عنهما-:”كان المُسلِمونَ حين قَدِموا المَدينةَ يَجتَمِعونَ، فيَتحَيَّنونَ الصَّلَواتِ، وليسَ يُنادي بها أحَدٌ، فتَكَلَّموا يَومًا في ذلكَ، فقال بعضُهمُ: اتَّخِذوا ناقوسًا مِثلَ ناقوسِ النَّصارى وقال بعضُهمُ: اتَّخِذوا قَرنًا مِثلَ قَرنِ اليَهودِ”.
يُعد هذا الحديث دليلًا على عدم شروع الأذان، وبعد أن هاجر المسلمون إلى المدينة شُرع الأذان في السنة الأولى بعد الهجرة، وهو من أفضل العبادات التي يُثاب عليها صاحبها، حيث قال عنهم الرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)، فهو من العبادات المُهمة التي تدل على دخول وقت الصلاة والتي أقرها الرسول، فقد قال:(إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم).
كيف شُرع الأذان
كان لا بُد من وجود أمر يُذكر المُسلمين بدخول وقت الصلاة، فبعد أن شرع الأذان في السنة الأولى هجريًا قام الرسول بتقرير صيغة الأذان والتي يُمكن معرفتها من خلال الحديث الذي أخبرنا به الرسول، ويُمكن القول إن الأذان وحي من الله حيث إنه جاء في رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، ويُمكن توضيح كيفية القيام بالأذان من خلال الحديث التالي:
“لمَّا أمر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم بالنَّاقوسِ يُعمَلُ ليُضربُ به للنَّاسِ لجمعِ الصَّلاةِ طاف بي وأنا نائمٌ رجلٌ يحمِلُ ناقوسًا في يدِه فقلتُ: يا عبدَ اللهِ أتبيعُ النَّاقوسَ؟ قال: وما تصنعُ به؟ فقلتُ: ندعو إلى الصَّلاةِ. قال: أفلا أدُلُّك على ما هو خيرٌ من ذلك؟ فقلتُ له: بلَى.
قال: فقال: تقولُ: اللهُ أكبرُ ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، حيَّ على الصَّلاةِ، حيَّ على الصَّلاةِ، حيَّ على الفلاحِ، حيَّ على الفلاحِ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلَّا اللهُ. قال: ثمَّ استأخر عنِّي غيرَ بعيدٍ ثمَّ قال: ثمَّ تقولُ إذا أقمتَ الصَّلاةَ: اللهُ أكبرُ ، اللهُ أكبرُ، أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، حيَّ على الصَّلاةِ، حيَّ على الفلاحِ، قد قامت الصَّلاةُ، قد قامت الصَّلاةُ، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلَّا اللهُ
فلمَّا أصبحتُ أتيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم فأخبرتُه بما رأيتُ فقال: إنَّها لرؤيا حقٍّ إن شاء اللهُ، فقُمْ مع بلالٍ فألْقِ عليه ما رأيتَ فليُؤذِّنْ به فإنَّه أندَى صوتًا منك، فقمتُ مع بلالٍ فجعلتُ أُلقيه عليه ويُؤذِّنُ به. قال: فسمِع ذلك عمرُ بنُ الخطَّابِ رضِي اللهُ عنه وهو في بيتِه، فخرج يجُرُّ رداءَه يقولُ: والَّذي بعثك بالحقِّ يا رسولَ اللهِ لقد رأيتُ مثلَ ما أُرِي. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم فللَّهِ الحمدُ“.
معايير الأذان والمؤذن
يُعد الأذان من العبادات التي شُرعت على المُسلمين، حيث شرع الأذان في السنة الأولى من الهجرة وهو فرض كفاية على المُسلمين، ويتطلب الأذان توافر بعض الشروط المُهمة في الأذان نفسه وفي المؤذن، ومن أهم الشروط التي يجب توفرها في الأذان:
- دخول الوقت: يجب أن يكون الأذان بعد دخول وقت الصلاة، فالأذان قبل وقت الصلاة غير مُعتبر ويجب تكراره مرة أخرى، حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّ بلَالًا يُؤَذِّنُ بلَيْلٍ، فَكُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يُنَادِيَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، ثُمَّ قالَ: وكانَ رَجُلًا أعْمَى، لا يُنَادِي حتَّى يُقالَ له: أصْبَحْتَ أصْبحْتَ”
- النية: ذهب بعض العُلماء إلى لزوم النية كشرط أساسي لصحة الصلاة.
- الترتيب: من شروط صحة الأذان ترتيب كلمات الأذان كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
- التناسق: من المُهم عند ترتيب كلمات الأذان التناسق بين الكلمات، أي فصل كلمات الأذان بحيث لا يكون الفصل طويل فيُبطل الأذان ويجب حينها تكرار الأذان من بدايته، أما الفصل القصير اتفق العُلماء أنه لا يُبطل الصلاة.
- اللُغة العربية: أهم شرط من شروط صحة الأذان أن تكون كلمات الأذان باللغة العربية، فلا يجوز أن يكون بأي لُغة أخرى ولا يُمكن اعتباره أذانًا، حيث يرى الجمهور أن الأذان يُقاس على القُرآن فيشترطون فيه اللُغة العربية.
- شخص واحد: اتفقت جميع المذاهب على أنه ينبغي أن يكون الأذان من شخص واحد فليس من الصحيح بناء الأذان على أذان إنسان آخر.
- الجهر بالأذان: من الضروري رفع الصوت عند تأدية الأذان في حالة دعوة المؤذن الناس غير الحاضرة معه في المسجد.
كما أنه هُناك بعض الشروط التي يجب أن تتوافر في المؤذن حتى يصح الأذان، وتتمثل تلك الشروط فيما يأتي:
- الإسلام: لا بُد أن يكون المؤذن مُسلمًا، فلا يصح الأذان من الكافر حيث إنه ليس أهلًا للعبادة.
- التمييز: لا بُد أن يكون الأذان من الشخص المُميز فلا يصح الأذان من الصبي الذي لم يبلغ سن التمييز وهو السابعة من عُمرة وقيل العاشرة، حيث إنه لا يُعد أهلًا للعبادة، كما أنه لا يستطيع تمييز الوقت.
- الذكورة: ينبغي أن يكون المؤذن من الذكور فلا يصح أذان المرأة للرجال، لاجتناب الفتنة.
- العدالة: لا بُد أن تتوفر صفة العدالة في المؤذن، حتى يتم الأخذ بقوله في الصلاة، حيث إن المؤذن غير العدل من المُمكن أن يخدع المُسلمين.
- الأمانة: يُشترط أن يكون المؤذن مؤتمن حتى يؤخذ بقوله، وحتى لا تسول له نفسه غش المُسلمين في وقت الصلاة والصيام.
من هو أول مؤذن في الإسلام؟
يُعد أول مؤذن في الإسلام الذي قام الرسول صلى الله عليه وسلم باختياره بعد أن شرع الأذان في السنة الأولى من الهجرة، حيث كان من أحب الأصوات إليه هو سيدنا بلال بن رباح صحابي الرسول رضي الله عنه، فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سيدنا بلال: “إنَّ هذِه لرؤيا حقٍّ فقم معَ بلالٍ فإنَّهُ أندى وأمدُّ صوتًا منكَ فألقِ عليهِ ما قيلَ لَك ولينادِ بذلِك”.
كما ورد عن سيدنا عمر -رضي الله عنه- أنه قال: (أولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا بلال: قم فناد بالصلاة)، وكان سيدنا بلال قبل إنشاء المنارة كان يؤذن في مكان مُرتفع، ويُقال إنه أضاف إلى كلمات الأذان “الصلاة خير من النوم” وكررها مرتين في أذان الفجر، حتى أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم.
كما كان هُناك العديد من المؤذنين غير سيدنا بلال في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومنهم عبد الله بن أم مكتوم، أبو محذورة، سعد بن قُرظ.
شُرع الأذان مع فرض الصلاة وحدد الرسول صيغة الأذان التي لا يجب الخروج عنها، وهُناك بعض الشروط المُهمة التي لا بُد من توافرها في كُل من الأذان والمؤذن حتى يكون الأذان صحيحًا.