ما هي أطول قصة في القرآن الكريم؟ حيث يزخر القرآن الكريم بالقصص الجليلة التي يمتلئ فحواها بالموعظة والعبرة للمسلمين، وتعتبر القصص مصدرًا إلهيًا من أجل التعرف على الأنبياء، مما يوضح الأسلوب الدعوى الذين ساروا عليه، كما من شأن العِبَر الهادفة من القصص القرآني المساهمة في استقامة العبد المؤمن وهدايته إلى الحق، ويمكن بيان أجلّ المواعظ من أطول قصة وردت في القرآن فيما يسرد تاليًا.
ما هي أطول قصة في القرآن الكريم
لقد ورد من القصص العديد منها في القرآن الكريم الذي نزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم- لتثبيت فؤاده وتوحيد هدف الأنبياء جميعًا، وما تحتويه من دروس وعبر ومواعظ من أجل كافة المسلمين، وللإجابة على سؤال ما هي أطول قصة في القرآن الكريم؟ فتعتبر قصة سيدنا يوسف عليه السلام هي أطول قصة وردت والتي جاءت في سورة يوسف.
سورة يوسف من السور المكية التي أُنزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحلك أوقاته شدة التي كان يعاني فيه من الحزن جراء موت عمه أبي طالب وزوجته الحبيبة خديجة رضي الله عنها، كما تعد من أكثر القصص القرآنية التي ذُكرت أحداثها بالتفصيل.
قصة سيدنا يوسف عليه السلام
يتساءل بعض المسلمين ما هي أطول قصة في القرآن الكريم التي تضم عبر جليلة، وكانت قصة سيدنا يوسف التي تحتوي آياتها على تفاصيل حياة ذلك النبي الجليل وما واجهه من صعاب على مدار حياته استعان بالله منها، وكيف جزاه الله ونصره على ما طغى على حياته، فيمكن التعرف على تفاصيل أطول قصة القرآن من خلال السطور التالية:
- حب سيدنا يعقوب لابنه يوسف
كان ليوسف عليه السلام مكانة خاصة عظيمة في قلب والده يعقوب، مما فتح طريق للغيرة أن تحتل قلوب إخوته الركيكة، حتى أن أباه قد لاحظ غيرتهم المفرطة من يوسف حيث جاء إليه يوسف وقص عليه ما رأى في منامه أنه رأي شمسًا وقمرًا وإحدى عشر كوكبًا يسجدون له، كما جاء في الذكر الحكيم قول الله تعالى:
“إذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَٰٓأَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَٰجِدِينَ”، فطلب منه أبوه ألا يذكر هذه الرؤيا لإخوته خوفًا عليه من تحكم الغيرة المسيطرة عليهم في ردود أفعالهم، كما سيزيد حقدهم عليه، كما ذكر قول الله تعالى:
“قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ”.
- إلقاء يوسف في الجُب
بعدما رأى يوسف -عليه السلام- رؤيته في المنام ما لبث بين إخوته حتى قد بدأت تظهر عليهم الغيرة القابعة داخل قلوبهم والحقد والحسد له هو وأخوه الشقيق بنيامين، فلما بلغتهم الرؤيا اتفقوا على الكيد له كي يستفردوا بحب والدهم، وتناقشوا فيما بينهم على كيفية التخلص منه، قال الله تعالى:
“اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ”.
فتوصلوا إلى أن يقتلوه أو يطرحوه في أرض بعيدة مجهولة حتى لا يدرك أحد له طريق، وقد اقترح أخوه يهوذا الذي كان أرحم إخوته، على أن يلقى في بئر لعل يلتقطه أحد من المارة، حيث قال الله تعالى:
“قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ”.
حاولوا إقناع أباهم بأن يأخذوا يوسف معهم للعب لكنه رفض معللًا رفضه بخوفه بأن يأكله الذئب وهم منشغلين عنه، وقد جاء في سورة يوسف قول الله تعالى:
“قالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ”.
أحس أبوهم بمكرهم، لكنهم أخذوا يوسف معهم، وفور أن حانت الفرصة حتى ألقوه في البئر وانتزعوا عنه قميصه حتى يضعوا عليه دم كاذب، وسولت لهم أنفسهم الادعاء على والدهم أن يوسف قد أكله الذئب متظاهرين بالحزن الشديد الذي يكسوا وجوههم، لكن يعقوب أدرك أنها مكيدة منهم، وجاء قول الله تعالى:
“قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ”.
- التقاط يوسف من الجُب
جلس يوسف عليه السلام منتظرًا فرج الله، إلى أن مرت مجموعة من المسافرين أرادوا أن يستريحوا ويملئون الدلو بالماء، لكن أخرج لهم الدلو يوسف فاستبشر الرجل وقال هذا غلام، ولما علم إخوته أن هناك من أخذه لحقوا بهم فباعوه لرجل من مصر ببضعة دراهم والذي كان عزيز مصر حينها، فقد جاء في قول الله تعالى:
“شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ”.
زهد أخوة يوسف فيه لكن الله أكرم مثواه ومكنَّه في الأرض، فقد جاء قول الله تعالى:
“وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ“.
- كيد امرأة العزيز بسيدنا يوسف
منَّ الله على يوسف عليه السلام بجمال لا مثيل له، حتى افتتنت به امرأة العزيز لحسنه وجماله، حيث إنها زينت نفسها واختلت به وأغلقت الباب عليهما وقالت له أنها قد تهيأت له لكنه لم يخضع لها ولرغبتها وخرج مسرعًا إلى الباب لكنها أمسكته من قميصه فسقط منه يوسف ناحية الباب، وقد كان زوجها وابن عمها بقرب الباب، فلما رأته قالت إن يوسف أراد أنن يراودها عن نفسه.
جاء قول الله تعالى: “قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ* وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ” وبدأن نساء المدينة يتحدثن عن إن امرأة العزيز قد راودت فتاها عن نفسه، وتجمعوا وأعطت لكل واحدة سكين إلى أن دخل يوسف وبدأن في تقطيع أيديهن من جماله.
فاعترفت امرأة العزيز أنها راودت يوسف عن نفسه لكنه استعصم عنها، فقد شهدت ببراءته وقال الله تعالى:
“قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ”.
- دخول سيدنا يوسف السجن
من أجل الإجابة على سؤال ما هي أطول قصة في القرآن الكريم، فإن قصة سيدنا يوسف قد أحفّتها المخاطر والابتلاءات التي اجتازها وجزاه الله عنها خير الجزاء، حيث فضل سيدنا يوسف أن يزج له في السجن على أن ينصاع لرغبة امرأة العزيز، ووضعه العزيز رغم علمه ببراءته، لكن وضعه في السجن بنية رد التهمة عن زوجته وتجنب غوايتها به مرة أخرى.
بدخوله السجن دخل معه عبدان للملك، وقد جاء في القرآن الكريم قول الله تعالى: “دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ”، فقد كان يدعوهم يوسف إلى توحيد الله، وقد فسر رؤية الأول أنه سيعود إلى عمله، ورؤية الثاني أنه سيناله الموت، وهو ما حدث للفتيان.
- براءة سيدنا يوسف وتقلده مكانة عزيز مصر
بعد مرور 7 سنوات على سيدنا يوسف وهو في السجن، هيأ الله الصدف له وأُفرج عنه بعدما فسر رؤيا الملك وتحققت، كما ظهرت براءته واعتراف امرأة العزيز أنها من راودت يوسف عن نفسه وظهر الله الحق الذي استكان لسنوات، وجزاه الله عظيم الأجر وخير العوض عما تعرض له من ظلم وكيد، وطلب منه الملك أن يكون أمينًا على خزائن الأرض حتى يحفظها ويحفظ ثمارها من سنين الجدب والعجاف التي ستحتل الأرض.
- اجتماع يوسف بإخوته وتحقق الرؤية
في صدد الإجابة على سؤال ما هي أطول قصة في القرآن الكريم، فإن قصة سيدنا يوسف تضمنت بيان لطف الله بنبيه على مدى حياته، حينما احتلت سنوات العجاف للأرض، جمع يعقوب أبنائه عدا بنيامين خوفًا عليه من إخوته، وطلب منهم الذهاب إلى مصر كي يشتروا منها المحصول حيث إن بها ملكًا صالحًا.
قد كانت اللحظة الحاسمة التي دخل فيها إخوة يوسف عليه وعرفهم، لكنهم لم يتعرفوا عليه، كما أراد الله له أن يجمعه بشقيقه بنيامين، فقال الله تعالى:
“فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيم”.
تعرف إخوة يوسف عليه واعترفوا بذنبهم، وطلب منهم يوسف أن يلقوا بقميصه على وجه أبيهم لما علم أنه أصابه العمى جراء الحزن عليه وعلى أخيه، ارتد إلى سيدنا يعقوب بصره فذكر قول الله عز وجل:
“فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ”، وتحققت رؤية يوسف عليه السلام، وسجدوا له جميعًا، حيث كان السجود في عرفهم يأخذ مجرى التحية.
إن يوسف -عليه السلام- من أكثر الأنبياء صبرًا، حملت قصته عظةً وعبرة لا مثيل لهما في رحمة الله وبحار عوضه وكيف ينجي أوليائُه ولا ينسى عبده طالما يذكره.