العلم الذي يربط التفكير بتأثيرات المجتمع هو علم موضوعي، نتائجه ليست تخمينية إنما تستند إلى دلائل واضحة، على أنه يقع على عاتقه دراسة السلوك الإنساني واختلافه، والعوامل المؤدية لذلك وتأثره بالبيئة المجتمعية المحيطة، وهو من العلوم الأساسية التي لا غنى عن دراستها ومعرفة طبيعة علاقتها بالعلوم الأخرى.
العلم الذي يربط التفكير بتأثيرات المجتمع هو علم
إن العلم الذي يعني بتوضيح تأثيرات المجتمع على التفكير الإنساني هو علم الاجتماع، الذي يركز بدوره على دراسة المجتمع من كافة جوانبه، فيدرس العلاقات الاجتماعية وعمليات التفاعل الاجتماعي، خاصة الحادثة بين الأفراد والمجتمع باعتبارهم العناصر المكونة له.
على أن علم الاجتماع يستخدم أساليب البحث التجريدي وكذلك التحليل النقدي من أجل وضع القوانين التي تعمل على تحليل النظام الاجتماعي الذي يتبعه الأفراد، كما يشمل دراسة الظواهر الاجتماعية خاصةً التي تؤثر في سلوكيات الفرد وطريقة تفكيره، كالعلمانية والحراك الاجتماعي والطبقات الاجتماعية ودراسة التمييز الجنسي والسلوك الانحرافي وما إلى ذلك.
خصائص علم الاجتماع
علمنا العلم الذي يربط التفكير بتأثيرات المجتمع، وبقي لنا أن نعلم خصائصه الأساسية التي تميزه عن العلوم الأخرى:
- إن علم الاجتماع هو أساس العلوم على حد قول البعض، فهو ما تفرع عنه علومًا بينية.
- لا يعتد به علم أخلاقي، فلا يصدر أحكامه حول ما يجب أن يكون عليه السلوك الخير، وتمييزه عن السلوك الخاطئ، إنما يحلل سبب التصرفات المغايرة للبشر، وينسبها إلى طريقة النشأة والبيئة المحيطة والشخصيات.
- يتسم بالتراكمية، أي أن النظرية الحديثة توضع وفقًا لما آلت إليه النظريات السابقة لها.
- علم موضوعي، وإلا ما كان ليتصف بالعلم.
- يقوم على البحث والملاحظة والتفسير والتحليل، إلا أنه لا يصل إلى توقعات أو افتراضات يقينية لأن الظواهر الاجتماعية متغيرة بذاتها في كل زمان ومكان.
- علم تجريبي، حيث إن نتائجه تتمثل في تقديم تفسيرات وأسباب تخضع للتحليل والفحص والتفنيد.
القضايا الجوهرية في علم الاجتماع
كما علمنا أن العلم الذي يربط التفكير بتأثيرات المجتمع هو علم الاجتماع يسعنا الإشارة إلى أهم القضايا التي يدور حولها، وهي:
- المقارنة بين الظواهر والحقائق الاجتماعية.
- ظواهر المجتمع وكيفية بنائه، ووظيفته.
- مكونات البنية الاجتماعية بدرجاتها المتفاوتة، كالجماعات العامة.
- العلاقات الاجتماعية المتبادلة وطبيعة التفاعل الاجتماعي وأسبابه، لمعرفة مدى الاختلاف والتماثل.
العناصر الأساسية لعلم الاجتماع
يستند علم الاجتماع إلى عناصر أساسية لا يقوم إلا بها، وهي التي نتطرق إليها تفصيلًا فيما يلي:
1- المجتمع ومقوماته
نعلم أن المجتمع يُعرف على أنه جماعة من البشر تعيش على أرض واحدة لفترة طويلة مما يجعلهم في دائرة علاقات مستمرة لا تنقطع، يحققون درجات من الاستقرار والاكتفاء الذاتي، بيد أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه فلا يخول له بأي حال العيش منفردًا.
على أن مقومات المجتمع وفقًا لما ذكرناه آنفًا هي: الأرض، البشر، العلاقات، الاستمرار فترة، تحقيق الحد الأدنى من الاكتفاء.. وبناء على تلك المقومات التي تقوم عليها المجتمعات كافة، يتم تصنيفها بناءً على ما يلي:
- مؤشرات أعداد السكان
- تصنيف تطوري تبعًا للبدائية أو ما بعدها
- النظام السائد ما بين الرأسمالية والشيوعية
- الريف والحضر، المجتمع الصناعي والزراعي
2- عامل الثقافة
ثقافة المجتمع هي ركن ركين فيه تعمل على تميزه عن غيره من المجتمعات، على أنها في المعنى الضيق تعني أنماط من الفكر والفن، أما معناها الواسع تعني مخططات الحياة التي يكتسبها الفرد لكونه عضو في المجتمع، فتعتبر هي الإرث الذي يرثه أفراد المجتمع ويطورونه.
هي العادات والتقاليد والأنماط الحياتية، وما وضع من أعراف وواجبات، ولكي نفهم مدلول الثقافة يجب أن نفرق بين:
- الثقافة المادية: كل ما هو ملموس، كنمط الطعام والشراب والملبس وما إلى ذلك.
- الثقافة المعنوية: هي كل ما يتعلق بالعادات والتقاليد والرموز، المحفورة في الأذهان يُعبر عنها السلوك.
- الثقافة العامة: يشترك فيها أفراد المجتمع على وجه عام.
- الثقافة الفرعية: تميز جماعة عن غيرها، فهناك الرجال ذوي ثقافة بعينها في بعض الأمور تختلف عن ثقافة النساء.. وهكذا.
على أننا إن صح القول يُمكننا التمييز أيضًا بين الثقافة المثالية، والثقافة الواقعية التي تتميز بشيء من الموضوعية والدقة، إلا أن الثقافة في المجمل تتسم بما يلي:
- التجريد: فهي بناء مجرد في الذهن، رغم ممارستها كل يوم.
- الرمزية: حيث إن اللغة تعمل على تجسيدها.
- الاكتساب: فالمرء لا يُفطر على ثقافة، إنما يكتسبها من خلال علمه ونشأته في المجتمع الذي يعيش فيه.
- العمومية: لا تقتصر على فئة بعينها دون الأخرى، إنما تطبع آثارها على أفراد المجتمع عامة.
3- النسق الاجتماعي
تلك العناصر المتفاعلة في منظومة عامة، كل عنصر يعمل على تأدية وظيفته بما يخول له، على أن النسق يشكل وحدة في بناء كلي، يرتبط ببيئة خارجية، يتكون من عناصر يحدث بينهما تفاعل.
فإن اعتبرنا أن المجتمع عبارة عن نسق اجتماعي “بناء كلي” فإن أفراده هم العناصر المكونة له، والعلاقات الاجتماعية تشكل التفاعل الحادث بينهم، على أن لكل فرد وظيفة ودور تجعل هناك تكاملًا فيما بينهم.
4- العمليات الاجتماعية
هي التغيرات والتفاعلات التي تجعل هناك نمط متكرر من سلوك بعينه، فتخلق بدورها حركة ديناميكية متغيرة تجعل المجتمع لا يقبل الثبات، إنما يخضع للتغيير المستمر، فينتقل من حالة لأخرى، فيكون مجتمعًا متأخرًا إلى أن يمضي قدمًا في التطور والازدهار، فمن العمليات الاجتماعية ما يتصل بنقل الثقافة في المجتمع وبين المجتمعات، مثل التنشئة الاجتماعية التي تنتقل عبر المؤسسات التعليمية ودور العبادة.
5- البناء والنظام الاجتماعي
من أهم العناصر المكونة للمجتمع، فالبناء الاجتماعي هو العلاقات المستقرة، التي تتطلب من الفرد فهم دوره (سلوكه في وظيفته) ومكانته (الموقع الذي يشغله)، مما يتحدد بناءً عليه تقييم المجتمع للأفراد، لذا يعني البناء الاجتماعي في أبسط مفاهيمه هو تماسك الجماعات سواء كانت صغيرة أو كبيرة بالعادات والقيم الأصيلة.
أما عن النظام الاجتماعي فهو الأدوار الاجتماعي المنظمة التي تتصل بمجال بعينه في القطاعات المجتمعية المختلفة، ويخضع بدوره إلى قواعد اجتماعية ثابتة، لها أساليب وقواعد وطرق حاكمة، بناءً على العناصر السابقة يسعنا القول إن التفكير ظاهرة اجتماعية يربطه علم الاجتماع بتأثيرات وتصورات المجتمع.. فينتج عن ذلك انتشار العدل والاحترام لقواعد اجتماعية معينة لا ينحرف تفكير الفرد عنها.
العلم الذي يربط التفكير بتأثيرات المجتمع هو علم اجتماعي يركز على السلوك والمجتمع وأنماط العلاقات، والذي يُعرف بأنه العلم العام للمجتمع.